فصل: باب وَقْتِ الْفَجْرِ

مساءً 3 :31
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من النوم قبل العشاء‏)‏ قال الترمذي‏:‏ كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء، ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة‏.‏

انتهى‏.‏

ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء، والكراهة على ما بعد دخوله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن سلام‏)‏ كذا في رواية أبي ذر ووافقه ابن السكن‏.‏

وفي أكثر الروايات ‏"‏ حدثنا محمد ‏"‏ غير منسوب، وقد تعين من رواية أبي ذر وابن السكن وحديث أبي برزة المذكور طرف من حديثه الآتي في السمر بعد العشاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحديث بعدها‏)‏ أي المحادثة‏.‏

وسيأتي بعد أبواب أن هذه الكراهة مخصوصة بما إذا لم يكن في أمر مطلوب، وقيل‏:‏ الحكمة فيه لئلا يكون سببا في ترك قيام الليل، أو للاستغراق في الحديث ثم يستغرق في النوم فيخرج وقت الصبح، وسيأتي الجمع بين هذا الحديث وبين حديثه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء في الباب المذكور‏.‏

*3*باب النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب النوم قبل العشاء لمن غلب‏)‏ في الترجمة إشارة إلى أن الكراهة مختصة بمن تعاطى ذلك مختارا، وقيل ذلك مستفاد من ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من رقد من الذين كانوا ينتظرون خروجه لصلاة العشاء، ولو قيل بالفرق بين من غلبه النوم في مثل هذه الحالة وبين من غلبه وهو في منزله مثلا لكان متجها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ الصَّلَاةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ قَالَ وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو بكر‏)‏ هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله أخو إسماعيل شيخ البخاري ويعرف بالأعشى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تصلي‏)‏ بالمثناة الفوقانية وفتح اللام المشددة أي صلاة العشاء، والمراد أنها لا تصلى بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة، وبه صرح الداودي، لأن من كان بمكة من المستضعفين لم يكونوا يصلون إلا سرا، وأما غير مكة والمدينة من البلاد فلم يكن الإسلام دخلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانوا‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي هذا بيان الوقت المختار لصلاة العشاء لما يشعر به السياق من المواظبة على ذلك، وقد ورد بصيغة الأمر في هذا الحديث عند النسائي من رواية إبراهيم ابن أبي عبلة عن الزهري ولفظه ‏"‏ ثم قال صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل ‏"‏ وليس بين هذا وبين قوله في حديث أنس ‏"‏ أنه أخر الصلاة إلى نصف الليل ‏"‏ معارضة لأن حديث عائشة محمول على الأغلب من عادته صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد مسلم من رواية يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث‏:‏ قال ابن شهاب وذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة ‏"‏ وذلك حين صاح عمر، وقوله ‏"‏تنزروا ‏"‏ بفتح المثناة الفوقانية وسكون النون وضم الزاي بعدها راء، أي تلحوا عليه، وروى بضم أوله بعدها موحدة ثم راء مكسورة ثم زاي أي تخرجوا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ يَعْنِي ابْنَ غَيْلَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا إِذَا كَانَ لَا يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ وَقَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ الصَّلَاةَ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الْآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الْأُذُنِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ عَلَى الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ لَا يُقَصِّرُ وَلَا يَبْطُشُ إِلَّا كَذَلِكَ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمود‏)‏ هو ابن غيلان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شغل عنها ليلة فأخرها‏)‏ هذا التأخير مغاير للتأخير المذكور في حديث جابر وغيره المقيد بتأخير اجتماع المصلين، وسياقه يشعر بأن ذلك لم يكن من عادته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى رقدنا في المسجد‏)‏ استدل به من ذهب إلى أن النوم لا ينقض الوضوء، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون الراقد منهم كان قاعدا متمكنا، أو لاحتمال أن يكون مضطجعا لكنه توضأ وإن لم ينقل، اكتفاء بما عرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏يرقد قبلها‏)‏ أي قبل صلاة العشاء، وهو محمول على ما إذا لم يخش أن يغلبه النوم عن وقتها كما صرح به قبل ذلك حيث قال ‏"‏ وكان لا يبالي أقدمها أم أخرها ‏"‏ وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان ربما رقد عن العشاء الآخرة ويأمر أن يوقظوه، والمصنف حمل ذلك في الترجمة على ما إذا غلبه النوم، وهو اللائق بحال ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن جريج‏)‏ هو بالإسناد الذي قبله - وهو محمود عن عبد الرزاق عن ابن جريج - ووهم من زعم أنه معلق، وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بالإسنادين، وأخرجه من طريقه الطبراني، وعنه أبو نعيم في مستخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام عمر فقال الصلاة‏)‏ ، زاد في التمني ‏"‏ رقد النساء والصبيان ‏"‏ وهو مطابق لحديث عائشة الماضي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واضعا يده على رأسه‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ على رأسي ‏"‏ وهو وهم لما ذكر بعده من هيئة عصره صلى الله عليه وسلم شعره من الماء، وكأنه كان اغتسل قبل أن يخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستثبت‏)‏ هو مقول ابن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح، ووهم من زعم أنه ابن يسار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبدد‏)‏ أي فرق‏.‏

وقرن الرأس جانبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ضمها‏)‏ كذا له بالضاد المعجمة والميم، ولمسلم ‏"‏ وصبها ‏"‏ بالمهملة والموحدة، وصوبه عياض قال‏:‏ لأنه يصف عصر الماء من الشعر باليد‏.‏

قلت‏:‏ ورواية البخاري موجهة، لأن ضم اليد صفة للعاصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى مست إبهامه‏)‏ كذا بالإفراد للكشميهني، ولغيره ‏"‏ إبهاميه ‏"‏ وهو منصوب بالمفعولية وفاعله طرف الأذن، وعلى هذا فهو مرفوع‏.‏

وعلى الرواية الأولى ‏"‏ طرف ‏"‏ منصوب وفاعله إبهامه وهو مرفوع، ويؤيد رواية الأكثر رواية حجاج عن ابن جريج عند النسائي وأبي نعيم ‏"‏ حتى مست إبهاماه طرف الأذن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يقصر ولا يبطش‏)‏ أي لا يبطئ ولا يستعجل، ويقصر بالقاف للأكثر ووقع عند الكشميهني ‏"‏ لا يعصر ‏"‏ بالعين، والأولى أصوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأمرتهم أن يصلوها‏)‏ كذا بين ذلك في كتاب التمني عند المصنف من رواية سفيان بن عيينة عن ابن جريج وغيره في هذا الحديث وقال ‏"‏ إنه للوقت لولا أن أشق على أمتي‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في الطبراني من طريق طاوس عن ابن عباس في هذا الحديث بمعناه قال‏:‏ وذهب الناس إلا عثمان بن مظعون في ستة عشر رجلا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏ ما صلى هذه الصلاة أمة قبلكم‏"‏‏.‏

*3*باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ

وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وقت العشاء إلى نصف الليل‏)‏ في هذه الترجمة حديث صريح أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيان أول الأوقات وآخرها وفيه ‏"‏ فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل‏"‏‏.‏

قال النووي‏:‏ معناه وقت لأدائها اختيارا، وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر، لحديث أبي قتادة عند مسلم ‏"‏ إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى‏"‏‏.‏

وقال الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء‏.‏

قال‏:‏ ودليل الجمهور حيث أبي قتادة المذكور‏.‏

قلت‏:‏ وعموم حديث أبي قتادة مخصوص بالإجماع في الصبح، وعلى قول الشافعي الجديد في المغرب فللإصطخري أن يقول إنه مخصوص بالحديث المذكور وغيره من الأحاديث في العشاء والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو برزة‏)‏ هو طرف من حديثه المتقدم في ‏"‏ باب وقت العصر ‏"‏ وليس فيه تصريح بقيد نصف الليل، لكن أحاديث التأخير والتوقيت لما جاءت مرة مقيدة بالثلث وأخرى بالنصف كان النصف غاية التأخير، ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا صريحا يثبت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحيم المحاربي‏)‏ كذا لأبي ذر، وقع لأبي الوقت وغيره عبد الرحيم بغير صيغة أداء، وهو عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي، يكنى أبا زياد، وهو من قدماء شيوخ البخاري، وليس له في الصحيح عنه غير هذا الحديث الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلاة العشاء‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ ليلة ‏"‏ وفيه إشعار بأنه لم يكن يواظب على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد صلى الناس‏)‏ أي المعهودون ممن صلى من المسلمين إذ ذاك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد ابن أبي مريم‏)‏ يعني سعيد بن الحكم المصري، ومراده بهذا التعليق بيان سماع حميد للحديث من أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأني أنظر الخ‏)‏ الجملة في موضع المفعول لقوله ‏"‏ زاد‏"‏‏.‏

وقد وقع لنا هذا التعليق موصولا عاليا من طريق أبي طاهر المخلص في الجزء الأول من فوائده، قال‏:‏ حدثنا البغوي حدثنا أحمد بن منصور حدثنا ابن أبي مريم بسنده وأوله ‏"‏ سأل أنس‏:‏ هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما‏؟‏ قال‏:‏ نعم، أخر العشاء ‏"‏ فذكره، وفي آخره ‏"‏ وكأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ ‏"‏ الوبيص بالموحدة والصاد المهملة‏:‏ البريق، وسيأتي الكلام على فضل انتظار الصلاة في أبواب الجماعة، وعلى الخاتم ولبسه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صلاة الفجر‏)‏ وقع في رواية أبي ذر بعد هذا ‏"‏ والحديث ‏"‏ ولم يظهر لقوله ‏"‏ والحديث ‏"‏ توجيه في هذا الموضع، ووجهه الكرماني بأن الغرض منه باب كذا وباب الحديث الوارد في فضل صلاة الفجر‏.‏

قلت‏:‏ ولا يخفى بعده، ولم أر هذه الزيادة في شيء من المستخرجات، ولا عرج عليها أحد من الشراح، فالظاهر أنها وهم، ويدل لذلك أنه ترجم لحديث جرير أيضا ‏"‏ باب فضل صلاة العصر ‏"‏ بغير زيادة، ويحتمل أنه كان فيه ‏"‏ باب فضل صلاة الفجر والعصر ‏"‏ فتحرفت الكلمة الأخيرة، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تُضَامُّونَ أَوْ لَا تُضَاهُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَالَ فَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحيى‏)‏ هو القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم‏.‏

وقد تقدم الكلام على حديث جرير في ‏"‏ باب فضل صلاة العصر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَقَالَ ابْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو جمرة‏)‏ بالجيم والراء وهو الضبعي، وشيخه أبو بكر هو ابن أبي موسى الأشعري بدليل الرواية التي بعده حيث وقع فيها ‏"‏ أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس ‏"‏ وعبد الله بن قيس هو أبو موسى، وقد قيل إنه أبو بكر بن عمارة بن رويبة والأول أرجح كما سيأتي آخر الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من صلى البردين‏)‏ بفتح الموحدة وسكون الراء تثنية برد، والمراد صلاة الفجر والعصر، ويدل على ذلك قوله في حديث جرير ‏"‏ صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ‏"‏ زاد في رواية مسلم ‏"‏ يعني العصر والفجر‏:‏ سميتا بردين لأنهما تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر، ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب تدخل في ذلك أيضا‏.‏

وقال البزار في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوات ما محصله‏:‏ إن من موصولة لا شرطية، والمراد الذين صلوهما أول ما فرضت الصلاة ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس، لأنها فرضت أولا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فرضت الصلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه‏.‏

قلت‏:‏ ولا يخفى ما فيه من التكلف، والأوجه أن ‏"‏ من ‏"‏ في الحديث شرطية‏.‏

وقوله ‏"‏دخل ‏"‏ جواب الشرط، وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن يقول يدخل الجنة إرادة للتأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن رجاء‏)‏ هو عبد الله البصري الغداني، وهو أحد شيوخ البخاري، وقد وصله محمد بن يحيى الذهلي قال ‏"‏ حدثنا عبد الله رجاء ‏"‏ ورويناه عاليا من طريقه في الجزء المشهور المروي عنه من طريق السلفي ولفظ المتن واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن منصور، ولم يقع منسوبا في شيء من الكتب والروايات، واستدل أبو علي الغساني على أنه ابن منصور بأن مسلما روي عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال حديثا غير هذا‏.‏

قلت‏:‏ رأيت في رواية أبي علي الشبوي عن الفربري في ‏"‏ باب البيعان بالخيار ‏"‏ حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال فذكر حديثا، فهذه القرينة أقوى من القرينة التي في رواية مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حبان‏)‏ هو ابن هلال وهو بفتح الحاء المهملة، فاجتمعت الروايات عن همام بأن شيخ أبي جمرة هو أبو بكر بن عبد الله، فهذا بخلاف من زعم أنه ابن عمارة بن رويبه، وحديث عمارة أخرجه مسلم وغيره من طرق عن أبي بكر بن عمارة عن أبيه لكن لفظه ‏"‏ لن يلح النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ‏"‏ وهذا اللفظ مغاير للفظ حديث أبي موسى وإن كان معناهما واحدا، فالصواب أنهما حديثان‏.‏

*3*باب وَقْتِ الْفَجْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وقت الفجر‏)‏ ذكر فيه حديث ‏"‏ تسحر زيد بن ثابت مع النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من وجهين عن أنس، فأما رواية همام عن قتادة فهي عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه، فجعله من مسند زيد ابن ثابت، ووافقه هشام عن قتادة كما سيأتي في الصيام‏.‏

وأما رواية سعيد - وهو ابن أبي عروبة - عن قتادة فهي ‏"‏ عن أنس أن نبي الله وزيد بن ثابت تسحرا ‏"‏ وفي رواية السرخسي والمستملي ‏"‏ تسحروا ‏"‏ فجعله من مسند أنس، وأما قوله ‏"‏ تسحروا ‏"‏ بصيغة الجمع فشاذة وترجح عند مسلم رواية همام فإنه أخرجها وأعرض عن رواية سعيد، ويدل على رجحانها أيضا أن الإسماعيلي أخرج رواية سعيد من طريق خالد بن الحارث عن سعيد فقال ‏"‏ عن أنس عن زيد بن ثابت ‏"‏ والذي يظهر لي في الجمع بين الروايتين أن أنسا حضر ذلك لكنه لم يتسحر معهما، ولأجل هذا سأل زيدا عن مقدار وقت السحور كما سيأتي بعد، ثم وجدت ذلك صريحا في رواية النسائي وابن حبان ولفظهما ‏"‏ عن أنس قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا أنس إني أريد الصيام، أطعمني شيئا‏.‏

فجئته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعدما أذن بلال‏.‏

قال‏:‏ يا أنس انظر رحلا يأكل معي، فدعوت زيد بن ثابت، فجاء فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة‏"‏‏.‏

فعلى هذا فالمراد بقوله ‏"‏ كم كان بين الأذان والسحور ‏"‏ أي أذان ابن أم مكتوم، لأن بلالا كان يؤذن قبل الفجر‏.‏

والآخر يؤذن إذا طلع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت كم كان بينهما‏؟‏‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ كان ‏"‏ من رواية السرخسي والمستملي، ووقع عند الإسماعيلي من رواية عفان عن همام ‏"‏ قلنا لزيد‏"‏، ومن رواية خالد بن الحارث عن سعيد قال خالد‏:‏ أنس القائل كم كان بينهما‏.‏

ووقع عند المصنف من رواية روح عن سعيد‏:‏ قلت لأنس، فهو مقول قتادة‏.‏

قال الإسماعيلي‏:‏ والروايتان صحيحتان بأن يكون أنس سأل زيدا، وقتادة سأل أنسا‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى قُلْنَا لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصليا‏)‏ كذا للكشميهني بصيغة التثنية، ولغيره فصلينا بصيغة الجمع وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى‏.‏

واستدل المصنف به على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب، والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة - وهي قراءة الخمسين آية أو نحوها - قدر ثلث خمس ساعة، ولعلها مقدار ما يتوضأ‏.‏

فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر‏.‏

وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل فيها بغلس، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أخيه‏)‏ هو أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، وسيأتي الكلام على حديث سهل بن سعد في الصيام‏.‏

والغرض منه هنا الإشارة إلى مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الصبح في أول الوقت، وحديث عائشة تقدم في أبواب ستر العورة ولفظه أصرح في مراده في هذا الباب من جهة التغليس بالصبح وأن سياقه يقتضي المواظبة على ذلك، وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم أسفر بالصبح مرة ثم كانت صلاته بعد بالغلس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر وأما ما رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد من حديث رافع بن خديج قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ‏"‏ فقد حمله الشافعي وغيره على أن المراد بذلك تحقق طلوع الفجر، وحمله الطحاوي على أن المراد الأمر بتطويل القراءة فيها حتى يخرج من الصلاة مسفرا، وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس‏.‏

وأما حديث ابن مسعود الذي أخرجه المصنف وغيره أنه قال ‏"‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير وقتها ذلك اليوم ‏"‏ يعني في الفجر يوم المزدلفة، فمحمول على أنه دخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير، فإن في حديث زيد بن ثابت وسهل بن سعد ما يشعر بتأخير يسير، لا أنه صلاها، قبل أن يطلع الفجر‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ

الشرح‏:‏

قوله في حديث عائشة ‏(‏كن‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هو مثل أكلوني البراغيث لأن قياسه الإفراد وقد جمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نساء المؤمنات‏)‏ تقديره نساء الأنفس المؤمنات أو نحوها ذلك حتى لا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه، وقيل إن ‏"‏ نساء ‏"‏ هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يشهدن‏)‏ أي يحضرن، و قوله‏:‏ ‏(‏لا يعرفهن أحد‏)‏ قال الداودي‏:‏ معناه لا يعرفن أنساء أم رجال، أي لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة، وقيل لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب، وضعفه النووي بأن المتلفعة في النهار لا تعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة، وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، فلو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم، وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر، لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى‏.‏

وقال الباجي‏:‏ هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس‏.‏

قلت‏:‏ وفيه ما فيه، لأنه مبني على الاشتباه الذي أشار إليه النووي، وأما إذا قلنا إن لكل واحدة منهن هيئة غالبا فلا يلزم ما ذكر‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متلفعات‏)‏ تقدم شرحه، ‏(‏والمروط‏)‏ جمع مرط بكسر الميم وهو كساء معلم من خز أو صوف أو غير ذلك، وقيل لا يسمى مرطا إلا إذا كان أخضر ولا يلبسه إلا النساء، وهو مردود بقوله مرط من شعر أسود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينقلبن‏)‏ أي يرجعن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الغلس‏)‏ من ابتدائية أو تعليلية، ولا معارضة بين هذا وبين حديث برزة السابق أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه، لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد، وذاك إخبار عن رؤية الجليس‏.‏

وفي الحديث استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت وجواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل، ويؤخذ منه جوازه في النهار من باب أولى لأن الليل مظنة الريبة أكثر من النهار، ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أو بهن فتنة، واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم، فكأنه جعل التلفع صفة لشهود الصلاة‏.‏

وتعقبه عياض بأنها إنما أخبرت عن هيئة الانصراف، والله أعلم‏.‏